تنفست أوكرانيا وحلفاؤها الصعداء يوم الخميس (1 فبراير) عندما وافق الزعماء الأوروبيون أخيراً على حزمة مساعدات اقتصادية بقيمة 54 مليار دولار، متحاشين بذلك استخدام «فيتو» كان قد لوّح به من قبل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. غير أن هذه الخطوة، وإن منحت كييف فرصة لالتقاط الأنفاس، مثّلت تذكيراً بضرورة دق ناقوس الخطر، وليس بسبب «أوربان». فمثل أوكرانيا كمثل عائلة تقطن في منزل.

فمساعدات الاتحاد الأوروبي ستساعد الأسرة على توفير الطعام والكساء لنفسها على مدى السنوات الأربع المقبلة – في الوقت نفسه الذي يكسر فيه زلزال أسس البيت تحت أقدامهم ويهدم الجدران المحيطة بهم. البنك الدولي قدّر فاتورة إعادة إعمار أوكرانيا بـ411 مليار دولار.

على أن هذا كان قبل عام تقريباً، واقتصر على الحد الأدنى من التقديرات التي امتدت إلى تريليون دولار كحد أقصى. ولكن يجب ألا ننسى التاريخ الحديث. فعندما تم الكشف عن مقترح المساعدة الذي تقدم به الاتحاد الأوروبي والبالغة قيمته 54 مليار دولار في يونيو بمناسبة مؤتمر دولي للمانحين في لندن، كان ذلك المبلغ الأدنى بين عدد من المبالغ التي كانت قيد البحث وقُدم كجزء من برنامج إعادة الإعمار. والحقيقة أنه من الآن وإلى غاية 2027، فإن أموال الاتحاد الأوروبي ستخصص بشكل أساسي لتغطية جزء من عجز ميزانية كييف المتضخم، حوالي 3 مليارات دولار شهرياً، والذي يمثّل قرابة نصف إجمالي الإنفاق السنوي للحكومة.

ويذكر هنا أن قرابة 50 في المئة من الأموال العامة الأوكرانية تنفق على الدفاع، فقط بهدف دعم احتمالات صمودها وبقائها في مواجهة هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والقليل من أموال الاتحاد الأوروبي ستنفق على إعادة الإعمار طويلة الأمد، بينما سيخصص جزء أكبر منها لدفع رواتب المعلمين والجنود، وصناعة الأسلحة والذخيرة، وترميم الموانئ والمحطات الكهربائية التي تعرضت للقصف الصاروخي. والأهم من ذلك كله أن معظم أموال الاتحاد الأوروبي ستقدّم لأوكرانيا كقروض، وليس كمنح، ما يعني أنه سيتعين على كييف أن تسددها في مرحلة ما.

وهذا غير واقعي في المستقبل القريب، ولكنه أفضل ما استطاع السياسيون والبيروقراطيون في بروكسل الاتفاق عليه في الوقت الراهن. وهذا يعزى إلى المشكلة الأساسية: أن أوروبا، شأنها شأن الولايات المتحدة، ما انفكت تقول وتردد أن أوكرانيا لا تقاتل من أجل بقائها فقط ولكن دفاعاً عن النظام الدولي المبني على القواعد أيضاً. غير أنها بالنظر إلى الرهانات الكبيرة جداً وبالمقارنة مع موارده الهائلة، يظل التزام الاتحاد الأوروبي المالي هزيلاً للغاية.

صحيح أن أوروبا تشكّل نموذجاً للحكمة مقارنة بالولايات المتحدة. ففي واشنطن، نضب التمويل لأوكرانيا بشكل كامل بسبب حفنة من المشرّعين «الجمهوريين» اليمينيين الخاضعين لسطوة دونالد ترامب، الذي ليس من أصدقاء أوكرانيا. كما أن حالة الجمود في الكونجرس الأميركي تمثّل ضربة قوية لمكانة أميركا ومصالحها. غير أن التزام الاتحاد الأوروبي غير كافٍ لمواجهة هذا التحدي، وهزيل حينما يقاس بموارد القارة. والحال أن أوروبا غنية. إذ تمثّل دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة معاً سُدس الاقتصاد العالمي، وبشكل جماعي، يعادل الناتج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي حجم نظيره الصيني تقريباً. وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد وافق إبان الجائحة على رصد 800 مليار دولار لإغاثة الدول الأعضاء. حوالي ربعها خُصص لإيطاليا، التي تُعد ثامن أكبر اقتصاد في العالم. وعليه، فإذا استطاع الاتحاد الأوروبي تقديم أكثر من 200 مليار دولار لإيطاليا، التي تعيش في رخاء وسلام رغم مشاكل نمو مزمنة، فمن العدل أن نتساءل لماذا لم يستطع تعبئة سوى 54 مليار دولار لأوكرانيا المنخرطة في حرب وجودية.

كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»